فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الفخر:

المراد يبتليهم بجزاء بعض ذنوبهم في الدنيا، وهو أن يسلطك عليهم، ويعذبهم في الدنيا بالقتل والجلاء، وإنما خصّ الله تعالى بعض الذنوب لأن القوم جوزوا في الدنيا ببعض ذنوبهم، وكان مجازاتهم بالبعض كافيًا في إهلاكهم والتدمير عليهم، والله أعلم. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {فَإِن تَوَلَّوْاْ} أي فإن أبوا حكمك وأعرضوا عنه {فاعلم أَنَّمَا يُرِيدُ الله أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ} أي يعذبهم بالجلاء والجزية والقتل، وكذلك كان.
وإنما قال: {ببعض} لأن المجازاة بالبعض كانت كافية في التدمير عليهم. اهـ.

.قال ابن عطية:

وخصص تعالى إصابتهم ببعض الذنوب دون كلها لأن هذا الوعيد إنما هو في الدنيا وذنوبهم فيها نوعان: نوع يخصهم كشرب الخمر ورباهم ورشاهم ونحو ذلك، ونوع يتعدى إلى النبي والمؤمنين كمعاملاتهم للكفار وأقوالهم في الدين، فهذا النوع هو الذي يوجد إليهم السبيل وبه هلكوا وبه توعدهم الله في الدنيا، فلذلك خصص البعض دون الكل، وإنما يعذبون بالكل في الآخرة. اهـ.

.قال الفخر:

دلت الآية على أن الكل بإرادة الله تعالى، لأنه لا يريد أن يصيبهم ببعض ذنوبهم إلا وقد أراد ذنوبهم، وذلك يدل على أنه تعالى مريد للخير والشر. اهـ.
وقال الفخر:
{وَإِنَّ كَثِيرًا مّنَ الناس لفاسقون} لمتمردون في الكفر معتدون فيه، يعني أن التولي عن حكم الله تعالى من التمرد العظيم ولاعتداء في الكفر. اهـ.

.قال السمرقندي:

{وَإِنَّ كَثِيرًا مّنَ الناس} يعني: رؤساء اليهود، {لفاسقون} يعني: لكافرون.
والفاسق هو الذي يخرج عن الطاعة. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

وفي المراد بالفسق هاهنا ثلاثة أقوال:
أحدها: الكفر، قاله ابن عباس.
والثاني: الكذب، قاله ابن زيد.
والثالث: المعاصي، قاله مقاتل. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَإِنَّ كَثِيرًا مّنَ الناس لفاسقون} أي متمردون في الكفر مصرون عليه خارجون من الحدود المعهودة، وهو اعتراض تذييلي مقرر لمضمون ما قبله، وفيه من التسلية للنبي صلى الله عليه وسلم ما لا يخفى، وقيل: إنه عطف على قوله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا} [المائدة: 45] يعني كتبنا حكم القصاص في التوراة وقررناه في الإنجيل، وأنزلنا عليك الكتاب مصدقًا لما فيهما وإن كثيرًا من الناس لفاسقون من الأحكام الإلهية المقررة في الأديان ولا يخفى بعده، والمراد من الناس: العموم، وقيل: اليهود. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وقد ذيّله بقوله: {وإنّ كثيرًا من النّاس لفاسقون} ليَهُونَ عنده بقاؤهم على ضلالهم إذ هو شنشنة أكثر النّاس، أي وهؤلاء منهم فالكلام كناية عن كونهم فاسقين. اهـ.

.قال محمد أبو زهرة:

{وإن كثيرا من الناس لفاسقون}.
هذا النص فيه عزاء للنبى صلى الله عليه وسلم من ممرد الناس على حكم العدل وحكم الحق، وعزاء لكل داع للخير من بعده، لكيلا ييئس داع؟ لأنه يحسب أن الخير يسير بمنطق مستقيم في النفوس، كما هو في ذات نفسه، فالله سبحانه وتعالى ينبه دعاة الخير إلى أنهم لا يتوقعون الاستجابة من الأكثرين، كما قال تعالى لنبيه: {وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين} يوسف.
وقال سبحانه: {وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله} الأنعام. ولأن دعوة الخير لا تجد الاستجابة بيسر، وكانت جهادا، وكانت تعبا، وعلى الداعى ألا تذهب نفسه حسرات إذا لم يجد الاكثرين يجيبونه، وليعلم أن دعوة الحق لها صدى يسمع في الأجيال وإن كانت لا تسمع في زمان صاحبها. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
قوله جلّ ذكره: {وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ}.
قُمْ بالله فيما تحكم بينهم، وأقِمْ حقوقه فيما تؤخر وتقدم، ولا تلاحظ الأغيار فيما «تُؤثِر» أو تَذَر، فإن الكلَّ محوٌ في التحقيق.
قوله جلّ ذكره: {فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ}.
يعني «عِظهم» بلسان العلم فإنْ أبَوْا قبولًا فشاهِدْهم بعين الحكم. ويقال: أشْدُدْ عليهم باعتناق لوازم التكليف، فإن أعرضوا فعاينهم بعين التصريف؛ فإنَّ الحقِّ سبحانه بشرط التكليف يلزمهم؛ وبحكم التصريف يؤخرهم ويقدمهم، فالتكليف فيما أوجب، والتصريف فيما أوجد، والعبرة بالإيجاد والإيجاب. اهـ.

.من فوائد الرازي في الآية:

أعيد ذكر الأمر بالحكم بعد ذكره في الآية الأولى إما للتأكيد، وإما لأنهما حكمان أمر بهما جميعًا، لأنهم احتكموا إليه في زنا المحصن، ثم احتكموا في قتيل كان فيهم. اهـ.

.من فوائد النسفي:

وإنما حذره وهو رسول مأمون لقطع أطماع القوم. اهـ.

.من فوائد الخازن في الآية:

قال عليه الرحمة:
قوله تعالى: {وأن أحكم بينهم بما أنزل الله} قال ابن عباس: إن كعب بن أسيد وعبد الله بن صوريا وشاس بن قيس قال بعضهم لبعض: اذهبوا بنا إلى محمد لعلنا نفتنه عن دينه، فأتوه فقالوا: يا محمد قد عرفت أنّا أحبار اليهود وأشرافهم وسادتهم وأنّا إن اتبعناك اتبعتنا اليهود ولم يخالفونا وأن بيننا وبين قومنا خصومة فتتحاكم إليك فاقض لنا عليهم نؤمن بك ونصدقك فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله هذه الآية {وأن احكم بينهم بما أنزل الله} يعني احكم بينهم يا محمد بالحكم الذي أنزله الله في كتابه {ولا تتبع أهواءهم} يعني فيما أمروك به.
قال العلماء: ليس في هذه الآية تكرار لما تقدم، وإنما أنزلت في حكمين مختلفين.
أما الآية الأولى: فنزلت في شأن رجم المحصن وأن اليهود طلبوا منه أن يجلده وهذه الآية نزلت في شأن الدماء والديات حين تحاكموا إليه في أمر قتيل كان بينهم قال بعض العلماء هذه الآية ناسخة للتخيير في قوله: {فاحكم بينهم أو أعرض عنهم} وقوله تعالى: {واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك} يعني: واحذر يا محمد هؤلاء اليهود الذين جاؤوا إليك أن يصرفوك ويصدوك بمكرهم وكيدهم فيحملوك على ترك العلم ببعض ما أنزل الله إليك في كتابه واتباع أهوائهم {فإن تولوا} يعني فإن أعرضوا عن الإيمان بك والرضا بالحكم بما أنزل الله عليك {فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم} يعني فاعلم يا محمد أن الله يريد أن يعجل لهم العقوبة في الدنيا ببعض ذنوبهم وإنما خص بعض الذنوب لأن الله جازاهم في الدنيا على بعض ذنوبهم بالقتل والسبي والجلاء وأخر مجازاتهم على باقي ذنوبهم إلى الآخرة {وإن كثيرًا من الناس لفاسقون} يعني اليهود لأنهم ردوا حكم الله تعالى: {أفحكم الجاهلية يبغون} يعني أفحكم الجاهلية هؤلاء اليهود قال ابن عباس: يعني بحكم الجاهلية ما كانوا عليه من الضلال والجور في الأحكام وتحريفهم إياها عما أمر الله به وقال مقاتل كانت بين بني النضير وقريظة دماء وهما حيان من اليهود وذلك قبل أن يبعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم فلما بعث وهاجر إلى المدينة تحاكموا إليه فقالت بنو قريظة بنو النضير إخواننا أبونا واحد وديننا واحد وكتابنا واحد فإن قتل بنو النضير منا قتيلًا أعطونا سبعين وسقًا من تمر وإن قتلنا منهم قتيلًا أخذوا منا مائة وأربعين وسقًا وأرش جراحتنا على النصف من جراحتهم فاقض بيننا وبينهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإني أحكم أن دم القرظي وفاء من دم النضيري، ودم النضيري وفاء من دم القرظي ليس لأحدهما فضل على الآخر في دم ولا عقل ولا جراحة.
فغضبت بنو النضير، وقالوا: لا نرضى بحكمك فإنك لنا عدو وإنك ما تألو في وضعنا وتصغيرنا.
فأنزل الله: أفحكم الجاهلية يبغون.
وقرئ بالتاء على الخطاب.
والمعنى: قل لهم يا محمد أفحكم الجاهلية تبغون {ومن أحسن من الله حكمًا لقوم يوقنون} يعني: أي حكم أحسن من حكم الله إن كنتم موقنين أنّ لكم ربًا وأنه عدل في أحكامه. اهـ.

.من فوائد أبي السعود في الآية:

قال عليه الرحمة:
{وَأَنِ احكم بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ الله وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ} عطف على الكتاب، أي أنزلنا إليك الكتابَ والحُكْمَ بما فيه، والتعرُّضُ لعنوان إنزاله تعالى إياه لتأكيد وجوب الامتثال بالأمر، أو على الحق أي أنزلناه بالحق وبأن احكم، وحكايةُ إنزال الأمر بهذا الحكم بعد ما مر من الأمر الصريح بذلك تأكيد له وتمهيدٌ لما يعقُبه من قوله تعالى: {واحذرهم أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ الله إِلَيْكَ} أي يصرِفونك عن بعضه ولو كان أقلَّ قليلٍ بتصوير الباطل بصورة الحق، وإظهارُ الاسم الجليل لتأكيدِ الأمر بتهويل الخطب، و«أن» بصلته بدلُ اشتمالٍ من ضمير «هم» أي احذر فتنتهم، أو مفعول له أي احذرهم مخافة أن يفتنوك، وإعادة ما أنزل الله لتأكيد التحذير بتهويل الخطب.
رُوي أن أحبارَ اليهود قالوا: اذهبوا بنا إلى محمد فلعلنا نفتِنُه عن دينه، فذهبوا إليه صلى الله عليه وسلم وقالوا: يا أبا القاسم قد عرفت أنّا أحبارُ اليهود وأنّا إن اتبعناك اتبعنا اليهودُ كلهم، وإن بيننا وبين قومنا خصومةً فنتحاكم إليك فتقضي لنا عليهم ونحن نؤمن بك ونصدقك، فأبى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فنزلت) {فَإِن تَوَلَّوْاْ} أي أعرَضوا عن الحكم بما أنزل الله تعالى وأرادوا غيره {فاعلم أَنَّمَا يُرِيدُ الله أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ} أي بذنب تولِّيهم عن حكم الله عز وجل، وإنما عبر بذلك إيذانًا بأن لهم ذنوبًا كثيرة، هذا مع كمال عَظَمةِ واحدٍ من جملتها، وفي هذا الإبهام تعظيمٌ للتولِّي كما في قول لبيد:
أو يرتبطْ بعضَ النفوس حِمامُها

يريد به نفسه أي نفسًا كبيرة ونفسًا أيَّ نفس {وَإِنَّ كَثِيرًا مّنَ الناس لفاسقون} أي متمردون في الكفر مصرُّون عليه خارجون عن الحدود المعهودة وهو اعتراض تذييليٌّ مقررٌ لمضمون ما قبله. اهـ.